جعل الشباب يقرأون
❞أين حقيقتي؟ أين معاناتي
العاطفية؟ مشاكلي مع التدخين؟ مخاوفي وإحباطاتي؟ لحظات نصري ولحظات هزيمتي. كل هذا
لن يعرفه أحد سوى من دنا مني إلى مسافة سنتيمترات وسمع سعالي ليلًا. وأصغى لصوت
اصطكاك أسناني بردًا. وخاض معي مغامرة اختيار ربطة عنق قبل أن أقابل خطيبتي.❝
ولادة العراب
من رحم مدينة طنطا إحدى محافظات جمهورية مصر العربية، وفي
أجواء ستينية هادئة، حضر أحمد خالد توفيق للدنيا بتاريخ
الأحد الموافق ل 10 حزيران 1962.
لا يحكي لنا أحمد خالد توفيق كثيراً عن جغرافيا
بيته الواسع وجولاته في أعوامه الأولى، اللهم إلا ركناً واحداً سحره وسحر كل من
رآه من أصدقائه، كان الأب هو صاحب هذا الرُكن وخازنه أيضاً، نتحدث عن المكتبة
العملاقة التي وصفها أصدقاؤه يوماً بأنها مرعبة، لا يوجد كتاب صدر في أي فرع من
فروع المعرفة إلا وكان موجوداً بها، باحتوائها على كل أنواع المجلات والجرائد
-بترتيب صدورها- والكتب والقواميس، ومن هنا تبدأ الشرارة الأولى في عقل خالد،
فتشتعل مخيلته الوليدة إثر الكنز الورقي القريب منه.
لا شك أن ذاكرة أحمد القوية تشكلت في هذه السن الصغيرة، لتكوّن ثقافة موسوعية يعرفها جيداً كل من قرأ له وامتنّ لدوره
في تثقيفه دون غطرسة الأسلوب المدرسي الممل.
موسوعية أحمد خالد توفيق
تظهر هنا أهم صفة في كتابات الرجل، وأحد أهم جوانب كتبه
تميزاً، وهي المعلومات التي ينثرها في كل كتاباته تقريباً، ثقافة عامة مُدققة في الطب والأدب والشعوب والفنون والجغرافيا
والتاريخ والأساطير وكل ما يجعل القارئ شغوفاً بتلقي المعلومة كأنه يخوض اكتشافها
بنفسه، حتى أنك تتساءل: هل يكتب الرجل بجوار مكتبة عملاقة فعلاً؟ فينتقي مع كل
صفحة كتاباً ما ويتخير منه معلومة معينة ليدمجها في سرده؟ قطعًا لا! إذن هي
الذاكرة الفريدة لخالد، التي احتكّت بالكتب في وقت مبكر للغاية، هذا الشيء الذي
عبّر عنه ذات يوم مستخدمًا رمزية المكتبة الأثيرة حين قال: "- لستُ ذكياً.. أنا مجرد شخص يعرف كيف يستحضر المعلومة في
الوقت المناسب.. أعتبر نفسي أمين مكتبة عقلية يجيد عمله لا أكثر".
وبتتبعنا خريطة كتاباته نجد أن باب «أحمد خالد
توفيق» الأول للقارئ لم يكن إلا سلسلة «وثائقية» بكفاءة وهي ما وراء الطبيعة، إذ
تتناول في كل عدد أسطورة ما من بلد مختلف.
فبعد قراءتك لأي كتاب من تأليفه ستحظى بكمية رهيبة من المعرفة، قلّ أن تجد لها نظيراً
في أدبنا العربي.
وهكذا نتحدث عن أول ميزة «خالدية» فريدة وهي الموسوعية
الخلّاقة، لكنه زاد عليها حميمية الطرح وسلاسته، فلم يلجأ إلى الهوامش إلا في
حالات شديدة الندرة، وإنما يمزج المعلومة في نسيج القصة دون ترهل في النص أو ملل
يدفعك إلى إغلاق الكتاب والهرب بعيداً عنه.
وهنا لا بد من ذكر نقطة مهمة في موسوعية كتابات الدكتور فهو لا يورد
المعلومات بقصد التباهي بها أو الافتخار بذاكرته الحفظية، فهو لا يقلل من أهمية الثقافة بمعناها الحقيقي، بعيدًا عن الحفظ
والتلقين.
"ليس مما يفيد الإنسان المعاصر أن
يعرف طول نهر المسيسبي ما دامت هذه المعلومات موجودة في أي دائرة معارف، إنها
ثقافة الكلمات المتقاطعة التي يصرون على أنها الثقافة ولا شيء سواها، بينما
الثقافة هي أن تستخدم ما تعرف في تكوين مفهوم متكامل للعالم من حولك وكيفية
التعامل معه".
إذن هو يطرح معارِفه في الكتب لتكوين المفهوم الثقافي الحقيقي
وليس للحشر والدس، ففي سلسلة رواياته فانتازيا لم يكف عن وصف بطلة السلسة عبير
بأنها عديمة الثقافة رغم أنها التجسيد الحقيقي لمصطلح دودة كتب، وحين اعترض أحد
قرائه على ذلك رد عليه الدكتور ببساطة "كررت
مراراً في فانتازيا أن (عبير) قرأت الكثير جدًا لكنها لم تهضم شيئًا ولم تكون
فلسفة واضحة تجاه حياتها .. هذا النمط شائع جداً … الثقافة تختلف عن البراعة في حل
الكلمات المتقاطعة".
هو يحب السنيما
كثير من القراء ينظر إلى السينما بشكل خاص وكل ما هو مرئي بشكل عام باعتباره عدو الكتاب الأول، إلا أن هذا لم يكن رأي أحمد خالد توفيق، فالطفل الذي اصطحبه والده منذ نعومة أظفاره كل ثلاثاء إلى دور السينما لمشاهدة آخر ما أبدعه الخيال الإنساني، لا بد أن يشب كسينمائي يقدر المشهد والحكاية والقصة، ولقد وصف فن السينما بأنه مجموع كل الفنون البشرية في توليفة ساحرة واحدة، الموسيقى والقصة والتمثيل والرسم والتصوير وخلافه.فالفيلم ليس مجرد سرد قصة برأيه، وإنما البراعة في التصوير والمونتاج والإخراج.
وقد بلغ حبه للسينما أنه كان وهو صغير لا يتخيل نفسه في عمل
خارج قاعة السينما فيقول عن نفسه في كتاب أفلام الحافظة الزرقاء "يبدو أن الطريق كان ممهدًا أمامي لأصير مخرجًا أو مصورًا أو عامل عرض
أو حتى بلاسير أو بائع كازوزة في سينما..
لكني صرت طبيبًا في ظروف مجهولة".
أما في قصصه فقد طلّت السينما كثيرًا، فنجدها في حلقتي رعب ضمن
سلسلة ما وراء الطبيعة، وراء الباب المُغلق والمتحف الأسود، وأيضًا في «أسطورة
الجاثوم» إحدى أشهر أعماله وأفضلها، فضلًا عن سلسلة طويلة من المقالات السينمائية،
منها ما نُشر في مجلة الفن السابع التي كان يديرها الفنان محمود حميدة.
ولم يفت الدكتور أحمد أن يهدي كتابه السينمائي الأشهر «أفلامالحافظة الزرقاء» إلى الشخص الذي يستحقه، معترفًا: ولمن أهدي هذا الكتيب إذن غير
أبي – يرحمه الله – الذي علمني إدمان القراءة وعلمتني رحلات الثلاثاء معه عشق
السينما؟
كل هذا جعل من «خالد» كاتباً بروح مُخرج محنّك، لا يستغني عن
التشويق والحبكة، ولا يخجل من كتابة ممتعة مهما كانت جدية وجهامة الموضوع الذي
يحكي عنه، مُلخّصاً عشقه السينمائي بوصفه: الفن الوحيد الذي يمكنه أن يحمل رسالة ثقيلة للناس يستمتعون وھم
يتلقونها.. لست أعلن سراً إذا قلت إنني أحببت الأدب لأنه يقربني من ذلك العالم
الساحر. ما دمت لن أقدم فیلماً سأقدم كلمات.
وأقصى ما قاله في هذا المنحى، هو المقطع التالي: "إنني أؤمن بأن السينما هي التطور الطبيعي للأدب وأنها ستطرد الكتاب
شيئًا فشيئًا ولكن على مدى مئة عام من الآن. رأي مجنون؟ ربما لكني استند فيه إلى
آراء عدد لا بأس به من النقاد .. فالسينما هي التزاوج بين الموسيقا والتصوير
والمسرح والشعر والرقص.. إنها الزواج النهائي بين الفنون جميعًا وبشكل يرغمك على
أن تغوص فيه. أليس ظلام قاعة السينما هو ظلام الرحم؟ أليست الصور على الشاشة هي
الحلم ذاته؟ من ينكر المستوى الشامخ لأفلام مثل (سفر الرؤيا الآن) و(الأب الروحي)؟
هل من كلمات تصف مشهد سقوط الريشة على المدينة الغافلة في الفيلم الأخير؟"
أعماله
تنوعت أعمال أحمد خالد توفيق ما بين سلاسل قصصية وروايات أدبية
بمختلف صنوفها بدءاً بأدب الرحلات والروايات الماورائية وليس انتهاء بالديستوبيا،
كما كتب مئات المقالات والتي نشرت في العديد من الصحف المصرية ومواقع الانترنت.
ومن أهم كتبه:
- 1- سلسلة ما وراء الطبيعة: وقد تحولت حلقات منها إلى مسلس من إنتاج Netflix.
- 2- سلسلة سفاري.
- 3- سلسلة فانتازيا.
- 4- سر الغرفة 207: تحول لعمل سينمائي على منصة شاهد.
- 5- السنجة.
- 6- يوتوبيا. وغيرها
رحل العراب -كما أطلق عليه محبوه- عن عالمنا في الثاني من
نيسان عام 2018 عن عمر 56 سنة إثر نوبة قلبية بعد ربع قرن قضاها في كتابة ما يقرب
من 236 عدداً وكتاباً.